الاثنين، 21 فبراير 2011

خواطر من وحي الثورات



كم هو جميل أن يعيش المرء ليرى هذه الثورات العربية الكبرى تعم مدن وقرى الوطن العربي واحدة تلو الأخرى. أنا من جيل عاش معظم حياته مع خيبات الأمل وانحسار الكرامة العربية وتراجع الأمل، جيل عاصر الهزائم واحدة تلو الأخرى.

فقد شاهدت الثورة الفلسطينية التي حملت للشعب الفلسطيني والأمة العربية أحلام النصر والتحرير وهي تتراجع شيئاً فشيئاً حتى لم يبقى منها سوى الذكرى، رغم تحقيقها والشعب لعدد من الانتصارات المشرفة، لكنها كانت دائماً تتحول إلى هزائم وخسائر سياسية لأسباب متعددة أهمها سوء استغلال هذه الانتصارات ووجود أجندات خاصة وخفية لدى عناصر القيادة الفلسطينية التي عجزت أو رفضت استثمار تضحيات الشعب والجماهير من أجل تحقيق أهدافه وطموحاته.

والقيادات العربية التي كبرنا عليها كانت هي التي قامرت بنصر أكتوبر 73 لتجعله جسراً للتسوية والانتقال إلى معسكر العدو من خلال معاهدة كامب ديفيد وما تبعها من اتفاقيات وتجزئة للوطن العربي. وهكذا رأيت مصر -والمرارة في حلوقي والغصة في قلبي- تخرج من قيادة العرب إلى التبعية لأمريكا والصهيونية. فكان أن توالت النكسات والهزائم، من خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت واحتلال جنوب لبنان عام 1982 إلى تفتت الدول واحدة تلو الأخرى واحتلال العراق وصولاً إلى تراجع الدور والمكانة العربية إلى أدنى درجاتها في كافة المجالات وانتشار البطالة والفقر وهجرة الشباب والخبرات إلى شتى بقاع العالم بعيداً عن الدول العربية.

لكن الله منّ علي وعلى أبناء جيلي بأننا شاهدنا ودعمنا وشجعنا ثورات الشباب من الجيل الأصغر في الكثير من أرجاء وطننا العربي لتكتسح الطغاة والعملاء وتزرع الأمل بإمكانية صياغة غد أفضل لأبناء الأمة وبناتها. أحداث جسيمة مرت علينا منذ بداية الألفية الجديدة التي يصح بحق تسميتها ألفية الجماهير العربية أو ألفية استعادة الكرامة العربية. فقد دخلنا الألفية الجديدة على وقع انتصار المقاومة اللبنانية وتحرير الجنوب اللبناني المحتل منذ عام 1982، وبعض أجزائه كانت محتلة منذ عام 1978. ثم كان انتصار المقاومة مرة أخرى في وجه العدوان الصهيوني عام 2006، وتبعه الصمود الاسطوري للمقاومة الفلسطينية في غزة عام 2009، وصولاً إلى الثورات الجماهيرية السلمية الناجحة التي تشهدها العديد من الدول العربية حالياً. لقد صدق السيد نصر الله عندما قال إن عصر الهزائم قد انتهى وعصر الانتصارات قد ابتدأ.

الآن فقط أصبحت أدرك ما الذي كان يشعر به جيل الستينات عندما يقال إنهم عاشوا عهد الثورة والعزة والاستقلال، عصر مجد الإنسان العربي واحترامه في أنحاء العالم. عصر مازالوا يحنون إليه ويعودون إليه بالذاكرة بحثاً عن الكرامة المفقودة والآمال الضائعة والأحلام المتلاشية.

نعم هي انتصارات صغيرة، لكنها بالتأكيد تراكمية وستشكل رافعة تاريخية وسياسية لما هو قادم من أيام مليئة بالكرامة والعزة والحرية والنصر لكل الوطن العربي بشبابه وشيابه، بأطفاله ونسائه. ونحن من الذين أسعدهم الحظ بأن شاهدوا بعد عقود من الهوان والهزيمة والذل أيام العز هذه تطل من جديد مبشرة بمستقبل أفضل لنا ولأولادنا في وطن حر كريم يضمن لأبنائه الكرامة والنزاهة والعيش الكريم في حرية وعدالة وإخاء يجمع ولا يفرق. وما هي إلا سنين لن تتجاوز العشرين على أكثر تقدير ونعود إلى فلسطين الحرة المحررة رافعين لواء النصر لنصلي في المسجد الأقصى ونعيد بناء ما دمره الاحتلال في وطننا لنجعله كما كان دائماً وطناً لكل العرب وقبلة لكل المسلمين ونعيد له مكانته كمركز للعلم والثقافة والفنون والاقتصاد في المنطقة.