الاثنين، 25 يناير 2010

وفاز أوباما .. ماذا بعد؟

هلل العالم كله لفوز باراك أوباما وفرح طرباً لأن عهداً أمريكياً دامياً أوشك أن ينتهي. ومع هؤلاء رحب الكثير من العرب والمسلمين بالرئيس الجديد الذي حقق إنجازاً تاريخياً بفوزه الساحق على منافسه.
ومع اتفاقي مع جميع المحللين بأن فوز أوباما يعتبر حدثاً تاريخياً له دلالاته وأبعاده السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الأمر في ظني يبقى في إطار الولايات المتحدة الأمريكية. بمعنى أن صعود رئيس جديد في أمريكا من الحزب الديمقراطي سيؤدي إلى حدوث اختلافات في الإدارة الأمريكية وطريقة تعاطيها مع الكثير من الدول والأحداث في العالم، لكن ذلك يبقى محدوداً بحدود الاختلافات الحزبية بين الديمقراطيين والجمهوريين. وهذه في اعتقادي هي التغييرات التي يمكننا توقعها من الرئيس الجديد، أما ما سوى ذلك فهو نوع من السراب الذي سيتبخر مع استلام أوباما لمنصبه في يناير القادم.
صحيح أن العرب اكتووا بنار الرئيس الراحل بوش الابن، الذي تعامل مع العالم بمنطق القوة وفرض الرأي، وتعالى عن الزعماء من الحلفاء والأعداء، ولم يستمع لناصح أو ناقد، وهم فرحون بالتخلص أخيراً منه ومن عدم فوز من كان يمكن أن يواصل نفس الطريق ويكمل نفس النهج. لكن علينا أن نعي أن هذا كله لا يبرر تفاؤل الكثيرين بأن أوباما سيحمل معه رياح التغيير في تعامل الإدارة الأمريكية مع قضايا العرب والمسلمين. فأوباما أعلنها صريحة أكثر من مرة بأنه يعتبر أمن وتفوق الكيان الصهيوني خطاً أحمر وفوق كل اعتبار. وهو مع تعزيز التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، بما في ذلك من اعتبارات تشمل التسليح والاستخبارات والمساعدات العسكرية والمادية والتقنية وغيرها.
لذا فإننا لن نلمس تغييراً كبيراً في السياسة الخارجية الأمريكية –التي تحكمها المؤسسات وليس الأشخاص- وخصوصاً في منطقتنا العربية. كل ما هنالك أن أسلوب التعامل سيتغير، والتكتيك سيختلف، وإن بقي الهدف واحد، وهو حماية وتعزيز المصالح الأمريكية وخصوصاً النفط، وضمان أمن وتفوق الكيان الصهيوني على كافة الدول العربية.
نعم، إن فوز أوباما هو حدث تاريخي مفصلي، لكنه كذلك بالنسبة لأمريكا وللأمريكيين، وليس للعرب والمسلمين الذين دفعت الكثير منهم عواطفهم وكرههم لبوش إلى تأييد أوباما ودعمه والإعجاب به. ولا يجب أن يغيب عن بالنا أن أوباما في الأول والآخر ملتزم بثوابت المؤسسة السياسية الأمريكية ولم يكن لينجح لو عبر عن رغبته في تغييرها أو الانقضاض عليها. فهو يستطيع أن يتعامل مع القضايا الداخلية في أمريكا من منطلق مختلف عن سلفه وفق مبادئ وسياسات الحزب الديمقراطي المعروف بمناصرة الطبقات الوسطى والدنيا. وهو سينتهج سياسة اقتصادية مختلفة، كما أن لحزبه رؤية اجتماعية مغايرة سيعمل على تنفيذها، من حيث خدمات وقوانين التقاعد والضمان الصحي والهجرة والتعليم وغيرها، لكنه لا يملك حرية واسعة في مجال السياسة الخارجية، حيث مجال الحركة محدود ولا يتعدى الأسلوب والتكتيك والمناورة وإعادة صياغة التحالفات مع الحلفاء بما يحقق المصالح والأهداف الأمريكية في العالم.

ملاحظة: نشر هذا المقال بتاريخ 11/11/2008

غزة والمقاومة والحصار ... في الذكرى الأولى للعدوان

عام مضى على العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة، عام مضى على انتصار المقاومة الفلسطينية المتواضعة وصمودها أمام أشرس آلة حرب عرفتها البشرية في التاريخ المعاصر.
عام مضى والشعب الفلسطيني في غزة لم يساوم ولم يهادن بل ويصر على الصمود والوقوف خلف قيادته المجاهدة التي أثبتت بحق انتمائها إلى هذا الشعب العظيم، لتسقط كل رهانات الأعداء والحاقدين والعملاء على استسلام الشعب وجريه وراء لقمة العيش تاركاً وطنه وراءه. صورة مضيئة لم تعرفها أقوى وأشهر حركات التحرر في العالم في القرنين الماضيين إن لم يكن في التاريخ الإنساني كله.
لكن في المقابل نرى أن الحصار على قطاع غزة وسكانه الذين يتجاوز عددهم المليون والنصف مليون استمر بل وتزداد محاولات تشديده رغم أن الحرب وفظائعها أثبتت حقيقة أن الحصار يستهدف الإنسان الفلسطيني وثقافة المقاومة التي تشربها والتزم بها، بعيداً عن أي طروحات إعلامية مغالطة تحاول أن تقول أن الحصار هو نتيجة الخلافات الفلسطينية الداخلية –وهي ليست داخلية بالمناسبة- أو أن السبب فيه هو تمسك حركة حماس بالحكم الذي وصلت إليه بالانتخاب الحر المباشر.
وفي ذكرى هذه الحرب، وهذا الصمود والانتصار كان الحقد الدفين ما زال ينتظر اللحظة المناسبة لينقض على أهلنا في غزة فيفسد فرحتهم بذكرى الانتصار عبر الإعلان عن بناء النظام المصري لجدار فولاذي يبنى تحت الأرض على الحدود بين مصر وغزة بأموال وتكنولوجيا وإشراف هندسي أمريكي كامل. نعم، إن اختيار توقيت الإعلان عن بناء هذا الجدار الفولاذي الأمريكي يأتي في ذكرى مرور عام على حرب غزة ليثبت مرة أخرى أن القوى المعادية عالمياً وإقليمياً وعربياً لم تستطع نسيان الدرس القاسي الذي تلقته من المقاومة الفلسطينية التي صمدت لأول مرة على أرضها لتؤكد أن قطاع غزة هو فعلاً الأرض الفلسطينية الوحيدة المحررة رغم تعرضها لحصار العدو والشقيق.
عام مضى على الحرب وأعوام قبله على الحصار، بُحت حناجرنا أثنائها ونحن نناشد وننادي وندعو النظام المصري لفك الحصار من جانبه عن قطاع غزة، دون أي نتيجة وكأننا ننادي في الفضاء الخارجي حيث لا يسمع الصوت إلا من يطلقه. بل ويعلن المتحدثين باسم هذا النظام المهترئ بكل وقاحة بأن بناء الجدار هو موضوع أمن قومي لا يحق لأحد التدخل فيه. منذ متى كانت إغاثة الأشقاء بالطعام والدواء تهديداً للأمن القومي لأي دولة في العالم، وكيف يعتبر إدخال الأجهزة الطبية ومواد البناء البسيطة لأهالي غزة ضد مصلحة الدولة العربية الكبرى، مصر؟
أما سلطة أوسلو القابعة في رام الله، سلطة أبو مازن الذي لا يستطيع أن يتحرك دون إذن من ضابط الارتباط الصهيوني، سلطة دحلان الهارب من غزة ليتجبر في الضفة، سلطة دايتون الذي يقود عملية خلق الفلسطيني الجديد –وفق كلامه هو، الفلسطيني الذي يعتبر وجود دولة بأي ثمن أهم بكثير من تحرير الأرض والمقدسات، فحدث عنها ولا حرج. من تواطؤها مع الصهاينة في حرب غزة إلى تشجيعها للنظام المصري كي يشدد الحصار أكثر وأكثر على غزة.
لا نملك إلا أن نكرر أن ما يجري من حصار وتجويع وقتل بطيء لمليون ونصف المليون عربي مسلم في قطاع غزة سيكون وصمة عار على جبين كل من ساهم أو شارك أو صمت أو تآمر فيه، والتاريخ لن يرحم والشعوب لن تنسى.

مسرى الهادي .. وداعاً

بعد أشهر قليلة على عدوانه على غزة، ها هو الاحتلال يكشر عن أنيابه مرة ثانية ويعلن إصراره على استكمال تهويد مدينة القدس ضارباً عرض الحائط بكافة القوانين الدولية والأعراف الأخلاقية ومحادثات السلام مع السلطة الفلسطينية. وفي هذا تأكيد على أن ايهود أولمرت وخليفته نتينياهو مصمم على إثبات تعصبه وعنصريته حتى اللحظة الأخيرة.
أوامر الإخلاء الجماعي التي صدرت قبل فترة قصيرة بهدم 88 منزلاً في مدينة القدس هي بحق عملية طرد جماعي لقرابة ألف وخمسمائة مواطن فلسطيني سيضطر معظمهم إلى السكن خارج المدينة نظراً لعدم توفر المساكن المتاحة للإيجار في القدس أو ارتفاع معدل الإيجارات بما يفوق قدرة المواطنين على الدفع. الموضوع إذن ليس موضوع منازل بنيت بدون ترخيص، علماً بأن سلطات الاحتلال تمتنع في غالبية الأحيان عن اصدار تراخيص البناء للمواطنين الفلسطينيين سواء في القدس أو الضفة الغربية وحتى المناطق المحتلة عام 48، وفي الحالات التي تعطى فيها التراخيص تفرض رسوم باهظة ربما تكون الأعلى من نوعها في العالم كله. كل هذا من أجل منع الفلسطيني من حقه في الإقامة تحت سقف يحميه من حر الصيف وبرد الشتاء ودفعه إلى الهجرة والخروج من الوطن بحثاً عن المأوى الملائم لأبنائه. وهذا هو جل الموضوع، إرغام الفلسطيني الذي بقي متشبثاً بأرضه رغم الاحتلال والاضطهاد والذل على مغادرتها بلا عودة عبر محاربته في لقمة العيش وفي التعليم وفي المسكن وفي التنقل وكل الحقوق الطبيعية التي تكفلها المواثيق الدولية والأديان السماوية.
أخذت سلطات الاحتلال منذ بضعة أعوام بالتركيز على مدينة القدس وجوارها سعياً إلى تهويدها وإلغاء الصبغة العربية والهوية الإسلامية لها حتى لا يكون هناك مجال للنقاش حولها في مباحثات الحل النهائي، إن حصلت. ومن ضمن محاربة الهوية الوطنية الفلسطينية في زهرة المدائن منع المواطنين من التصويت فيها ومنع أي تواجد لأجهزة السلطة الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك الأجهزة المدنية التي تقدم الخدمات الاجتماعية والبلدية. إذ ليس مقبولاً لدى الصهاينة أن يظهر في المدينة جانب فلسطيني رسمي، بل إن أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخبين عن محافظة القدس كانوا من أوائل من اعتقل من النواب. وقد شهدنا في المدة الأخيرة العديد من المصادرات للمنازل والأراضي وافتتاح الكنيس اليهودي على بعد أمتار من المسجد الأقصى وبناء المزيد من البؤر الاستيطانية حول المدينة وفي قلبها.
كل هذا يجري والمسلمين، عرباً وعجماً، لاهون لا يصدر منهم إلا بعض الاستنكارات الشعبية لما يحدث، أما الدول والحكومات فتتجاهل الأمر وكأنه يحدث في عالم أخر لا يعنيهم. لم تعد الدنيا تقوم ولا تقعد لما يحصل في مسرى النبي (عليه الصلاة والسلام)، ولم تعد المملكة العربية السعودية حاملة لواء الإسلام تمارس أي ضغوط على حليفها الأمريكي من أجل وقف أو إبطاء وتيرة التهويد في القدس، ولم نعد نسمع من المملكة المغربية رئيسة لجنة القدس أي موقف أو مطالبة أو احتجاج على ما يجري.
إن المقدسيين رغم تمسكهم الشديد بأرضهم، إلا أنهم لا يستطيعون وحدهم مواجهة هذه الهجمة المتصاعدة التي تستهدف وجودهم ومدينتهم والمقدسات. إننا جميعاً مطالبون شعوباً وحكومات بدعمهم ومساندتهم بأشكال ووسائل عملية، فإن لم نفعل فعلى القدس والأقصى السلام، وعندها ربما يكون اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية هذا العام 2009 وداعاً رمزياً من الأمة لمسرى الهادي عليه السلام.