الخميس، 12 مايو 2011

الانتفاضة الفلسطينية الثالثة


الانتفاضة الفلسطينية الثالثة

 

سيكون يوم الجمعة الموافق 13 مايو 2011 يوماً عادياً بمقاييس الثورات الشعبية العربية. فهو اليوم الذي ستبدأ فيه فعاليات الانتفاضة الفلسطينية الثالثة – انتفاضة العودة والتحرير. وفق ما أعلن عنه المنظمون لهذه الفعاليات سيكون يوم الجمعة يوماً للحشد والنفير استعداداً للزحف المليوني نحو فلسطين من الدول المجاورة لها ومن داخل الضفة وغزة نحو الحواجز الصهيونية والأراضي المحتلة عام 48.

هل وصلت موجات الثورة العربية إلى فلسطين؟ كانت فلسطين رائدة دائماً وملهمة للثورات في الوطن العربي والعالم الثالث عموماً، لكنها اليوم تستلهم انتفاضتها الجديدة من وحي الثورات الشعبية العربية وتحديداً تلك في مصر وتونس. هذه المرة تم استخدام وسائل الاتصال والتواصل الحديثة للتنسيق بين الشباب حول العالم كي تتزامن أحداث الزحف نحو فلسطين مع أنشطة متنوعة داعمة في العديد من الدول العربية والأجنبية. وهكذا يفترض أن نرى الفعاليات الشعبية الفلسطينية والعربية في نفس الوقت في فلسطين والأردن ومصر ولبنان وسوريا وبعض الدول العربية الأخرى ودول أوروبا. هذه المرة لن تكون الجماهير العربية تتحرك بدافع رد الفعل، بل هي تتحرك للمشاركة في الحدث كشريك كامل فيه صناعته. هذه هي إحدى ثمرات ربيع الثورات العربية.

ما دورنا نحن العرب والفلسطينيين الذين نعيش بعيداً عن فلسطين في هذه الانتفاضة؟ هل نكتفي بمشاهدة ومتابعة أحداثها عبر شاشات الفضائيات المختلفة، أم أنه آن لنا أن نقوم بأدوار أكثر إيجابية، أن نقوم بواجبنا أمام الله والوطن وأمام أبنائنا الذين سيكبرون ليسألونا عما فعلنا من أجل مستقبلهم ومستقبل الأوطان؟ لا شك أن السلبية لم تعد أمراً يمكن تبريره بعد الحراك الشعبي الكبير الذي شهدناه في الأشهر الماضية في كل أوطاننا العربية. فسقف الحرية المتاحة للحركة أصبح أكبر واستعداد الجماهير للتجاوب مع نداءات القوى الوطنية والإسلامية أصبح أكبر.

على كل منا أن يفكر فيما يستطيع أن يقدمه من أجل دعم حراك انتفاضة العودة والتحرير في موقعه وفي البلد الذي يعيش فيه. البعض قد يستطيع دعم الفكرة عبر نشاطه على الإنترنت، آخرون يستطيعون أن يكتبوا ويشجعوا الناس على المشاركة ويوضحوا لهم ما خفي عنه، أخرون يستطيعون أن يدعموا الفكرة بالمال والجهد. فيما قد يستطيع البعض المشاركة المباشرة عبر الانضمام لجموع الزاحفين، وهم بحاجة لحشد أكبر عدد من الناس، فالعبرة اليوم بالأعداد الكبيرة التي تؤكد على التصميم على العودة وتمثل الجماهير الغفيرة المؤيدة لها.

نحن مدعوون جميعاً اليوم للمشاركة الإيجابية في قضية فلسطين والجهود المبذولة لتحريرها، كل على قدر استطاعته، فالأقصى ليس ملكاً لأهل القدس ولا لما حولها، إنه ملك الأمة كلها، وواجب تحريره يقع على عاتق جميع أبناء الأمة وخصوصاً الشباب القادر على الحركة وابتكار وسائل المقاومة المختلفة ونشر ثقافة المقاومة في المجتمعات العربية القريبة والبعيدة من أجل يوم التحرير الذي اقترب كثيراً، أقرب مما قد يتخيل البعض.

الوقت قصير، ويوم 15 مايو ليس بعيداً، لنتحرك بسرعة ونكون من أصحاب المبادرة في دعم الانتفاضة الفلسطينية الثالثة.

 

 

الثلاثاء، 19 أبريل 2011

ناصر الخرافي .. العربي القدوة

 

مفجع كان خبر وفاة ناصر الخرافي، رجل المبادئ والأخلاق العالية الذي حرص على التمسك بالقيم العليا بعيداً عن أي حسابات لمصلحة أو منفعة ذاتية. هو رجل الأعمال الأبرز لكنه أبداً ما اهتم بجمع المال والمباهاة بثروته، وكأنما هو متجرد في إخلاص لعمل يبغي فيه وجه الله ومساعدة الخلق فأتى إليه المال سعياً.

ناصر الخرافي ابن العائلة العريقة، كان رجلاً توضحت معاني الرجولة في شخصيته منذ بداية شبابه، فها هو يترك مقاعد الدراسة وينزل إلى شوارع بورسعيد يقاوم العدوان مع المقاومين، وبور سعيد في ذلك الوقت كانت رمزاً من رموز المقاومة الشعبية في العالم العربي.

وحينما دلف إلى عالم التجارة والأعمال، ظلت قوميته متقدة بعيداً عن السياسة ودهاليزها. فهو الحريص على الاستثمار في الدول العربية المختلفة، كاشفاً بعمله لا بقوله كذب أو خطأ من نادى من رجال الأعمال العرب بالابتعاد عن الاستثمار في الوطن بحجة عدم الاستقرار أو عدم الجدوى الاقتصادية وغير ذلك. إذ أصبح ناصر الخرافي من أبرز رجال الأعمال العرب وأنجحهم وأكثرهم ثروة من وراء استثماراته في الدول العربية التي فتحت له قلوبها قبل اقتصاداتها لأنها رأت فيه نموذج رجل الأعمال الوطني الذي يسعى لأن يفيد اقتصاد البلد في نفس الوقت الذي يطور فيه الأعمال ويحقق فيه الأرباح. وتلك هي المعادلة الرابحة لمن يعي.

مشاريع الخرافي الممتدة على طول العالم العربي من مشرقه إلى مغربه، ومن شماله إلى جنوبه تحكي قصة نجاح ممتدة عبر الزمن في إطار التعاون والتضامن العربي المشترك. فمن يملك يقدم لمن لا يملك. يقدم فرص العمل ومشاريع البنية التحتية وغيرها من مشاريع تساهم في تطوير اقتصاديات الدول، دون التغافل عن الجدوى الاقتصادية لأي مشروع من هذه المشاريع. ولا غضاضة في ذلك، لأن رجل الأعمال إن لم يحقق الربح فلن يستطيع تمويل المزيد من المشاريع وتطوير أعماله.

أبو مرزوق الرجل كان بحق رجل المواقف السياسية، ليس من منطلق السياسة التي ابتعد عنها طيلة حياته، وإنما من منطلق الرجولة والشهامة والكرامة. ولعل هذا ما يفسر وقوفه الصلب والمبدئي مع المقاومات العربية المختلفة عبر سنين عمره. فمن مشاركته العملية في المقاومة في مصر إلى دعمه الثابت للمقاومة الفلسطينية، ونصرته الدائمة للمقاومة اللبنانية. كانت رسائله في الدفاع عن هذه المقاومات عبر السنوات القليلة الماضية تأتي في أوقات حرجة يتكاثر فيها هجوم الطابور الخامس على عناصر هذه المقاومات وقياداتها، في محاولة لإضعاف تأثيرها على الشعوب العربية وزعزعة مكانتها عندهم. كان بحسه الذي لا يخطئ وبنظرته الاستراتيجية الثاقبة يتلمس اللحظات الحرجة هذه فيخرج صوته مدوياً في نصرتها. ليذكر الجميع بأن دعم ونصرة المقاومات الساعية لتحرير الأرض العربية من الاحتلال الصهيوني هو الواجب الأهم والأسمى لكل عربي يحترم نفسه وأمته.

كان يمكن لهذه المواقف أن تؤثر على أعماله في بعض الدول إن لم يكن في أغلبها، لكنه كان يطلقها غير خائف. كانت كرامته ونخوته تمنعانه من أن يتراجع عن نصرة الحق في سبيل المصلحة الذاتية. هكذا تربى ناصر الخرافي وهكذا نأمل أن يكون ورثته وتلاميذه، لا يخافون في الحق لومة لائم. فهم أبناء ذلك الأسد الجسور الذي اقتحم بحور الأعمال والسياسة فكان في كلاهما نبراساً وقدوة لشباب الكويت والأمة كلها وخصوصاً رجال الأعمال.

رحمك الله يا ناصر الخرافي فقد امتلكت شجاعة الموقف في زمن عز فيه الرجال. فأكرمك الله حقاً بالعيش العزيز والموت الكريم.

الخميس، 7 أبريل 2011

الآفاق المرعبة والمذهلة للثورة العربية

                                 الآفاق المرعبة والمذهلة للثورة العربية

                                                                                                      منصف المرزوقي

 

بدايةً نقطة نظام : ثمة من يستعملون مصطلح الثورات العربية وهو أمر لا يجوز، حيث لا مجال للحديث إلا عن الثورة العربية بالمفرد، فمما لا جدال فيه:

- أن أسبابها واحدة وهي تسلط الفرد وحق أهله في الفساد، وحكم الأجهزة البوليسية، وخصخصة مؤسسات الدولة لخدمة الأفراد والعصابات بدل خدمة الوطن والشعب.

- أن أهدافها واحدة، حيث لم يرفع أحد مطلب بناء دولة العمال والفلاحين أو إقامة الخلافة، وإنما اتفقت كل الشعوب على الشعار الذي رُفع في تونس وصنعاء والمنامة والقاهرة وبنغازي "الشعب يريد إسقاط النظام"، وعلى مطلب مجلس تأسيسي ودستور يضمن بناء الدولة المدنية والمجتمع الحرّ ويقطع نهائيا مع الاستبداد.

- أن وسائلها واحدة، فكل الانتفاضات كانت سلمية وإن ووجهت برصاص المجرمين.

- أن طبيعتها واحدة: شعبية، مدنية، شبابية، بلا قيادة مركزية وبلا أيدولوجية. أمام هذه القواسم المشتركة، أيُّ أهمية لفوارق طفيفة؟

ليكفّ إذن البعض عن استعمال مصطلح الثورات العربية، فالأمر إما خطأ غير مقصود يصلّح، وإما موقف وإصرار واعٍ على تجزئة أمتنا ولو على صعيد التسميات كما تفعل الإدارة الأميركية، عندما ترفض للأمة وجودها متعاملة مع "الشرق الأوسط" و"شمال أفريقيا". السؤال الآن -حتى لو كانت الثورة لا تشمل لحظة كتابة هذا النص إلا ثلث الأمة- هو: إلى أين تتجه؟ وما هو مآلها في الأمد القصير والمتوسط والبعيد؟

يمكننا التوقع بأن آثارها ستنتشر خارج حدود الوطن، وما عصبية الحكومة الصينية هذه الأيام إلا الدليل على توسّع دائرتها إلى حيث لا نتوقع. والثابت أنها ستمتد إلى كل أقطار الوطن، ولكل من يحاول مغالطة نفسه في المغرب والسعودية وسوريا أو الجزائر باستقرار نظامه، أن يتذكر أن أنظمة تونس ومصر وليبيا كان كل منها هو أيضا "مستقرا". كم صدقت الفيلسوفة الألمانية هانا أرندت عندما قالت إن خاصية الدكتاتورية أن كل شيء فيها يبدو على ما يرام إلى حدّ الربع الأخير من الساعة الأخيرة.

الثابت أيضا أننا مثل ركاب باخرة كانت تطفو ساكنة على سطح مستنقع نتن، ثم وجدت نفسها وسط أعتى العواصف، ولا أحد قادر على التكهن في هذه اللحظة بأننا سنغرق جميعا أم سنصل برّ النجاة، ولا بطبيعة ذلك البر. هل يمكن لتجارب الشعوب التي قامت قبلنا بثورات أن تعيننا على تصور ما الذي ينتظر الثورة العربية؟ المشكلة أن هذه التجارب لا تبعث على التفاؤل، وهي تصف لنا مستقبلا قاتما وربما أخطر وأقسى مما عرفنا. لنتأمل بعض الثوابت التي تتردّد عبر التاريخ حتى تكاد تكون قوانين.

لا بد أحيانا من زمن طويل حتى تحقق الثورة أهدافها.. هذا إن حققتها. قامت الثورة الفرنسية عام 1789 بهدف بناء مجتمع الأخوة والحرية والمساواة، أي إنشاء نظام جمهوري وديمقراطي. إلا أنه مرت أربع سنوات قبل الإطاحة بالملك، ثم عادت الدكتاتورية عبر نابليون الذي نصّب نفسه عام 1804 ليس ملكا فقط وإنما إمبراطورا، وبعده عادت الملكية عام 1814 ممثلة في لويس الثامن عشر، ثم من بعده شارل العاشر عام 1824 والذي قامت عليه ثورة 1848، ومع هذا عادت الدكتاتورية مجددا في ثوب نابليون الثالث عام 1852، ولم تنشأ الجمهورية إلا بعد هزيمة نظامه في الحرب ضد بروسيا عام 1870. قرابة قرن إذن قبل أن تتحقق أهداف الثورة الفرنسية، والأمر ليس شاذا وإنما قاعدة، وإن تباينت مدة الجزر وتوقيت عودة المدّ.

لاتقوم ثورة إلا و قامت لها ثورة مضادة. من يفقدون السلطة لا يتبخرون ولا يذوبون كالسكر في الماء، وإنما يتراجعون خلف الستار للتآمر على قلب النظام الذي انقلب عليهم، وإن عجزوا عن الأمر بذلوا كل ما في وسعهم لعرقلة المسار الثوري وتشويهه.. هذا بالضبط ما نشاهده في تونس حيث فلول المافيات التي تركها نظام بن علي تتعاون مع فلول البوليس السياسي والحزب المنحلّ لبث الفوضى والعنف في البلاد، على أمل أن يزرعوا اليأس والندم في قلوب الناس ليترحموا حسرة على زمن الأمن في عهد دولة البوليس. أخبث الأعداء طبعا من يلتحقون بالثورة في آخر لحظة لتقويضها وإفراغها من مضمونها من الداخل، وهؤلاء داء بلا دواء. لكل ثورة ثمن باهظ.

بغضّ النظر عن القوى الهدامة التي تحركها الثورة المضادة، فإن هناك في الثورة نفسها قوى جبارة تدفع إلى الفوضى والعنف وعدم الاستقرار. فلا بدّ بالنسبة للثوريين من مجابهة الأعداء بالمقاصل والمشانق والسجون، وآنذاك تعود الآلة الجهنمية للقمع السياسي إلى العمل مع كل مضاعفاتها الكلاسيكية، ومن أولها الالتفاف على الثوريين أنفسهم.

عرفت الثورة الفرنسية فترة الرعب التي شهدت فيها قطع آلاف الرؤوس، ثم انتهت بقطع رؤوس القاطعين ومن أشهرهم روبسبيار ودانتون.. إنها لعنة القطة التي تأكل أطفالها. ثمة أيضا تفجر المطالب الاجتماعية والسياسية المعلقة تحت الاستبداد، وهي مطالب يستحيل على أي نظام سياسي تلبيتها.. كل هذا في ظروف تفجّر المطامح الشخصية والجهوية والحزبية -المشروعة منها وغير المشروعة- والصراعات الشريفة وغير الشريفة على السلطة. الثوار ليسوا من يجنون ثمار الثورة.

بعد الثوريين يأتي عهد الانتهازيين، وبعد الملحمة يأتي عهد خيبة الآمال، إذ يعود فقراء سيدي بوزيد إلى فقرهم، ويعود سكان المقابر في القاهرة لمقابرهم. فلا حلول جذرية لمشاكلهم وإنما كثير من الوعود التي قد تتحقق وقد لا تتحقق. أما من تغنم الغنيمة الكبرى ففي حالتنا هي البرجوازية التي كانت تتنعم تحت الاستبداد بمستوى مادي مقبول، لكن الاستبداد بقمعه للحريات وبفساده كان يسمم حياتها. وبتخلص الوطن من الاستبداد، ها هي تضيف -بفضل تضحيات المغلوبين والمساكين- إلى حقوقها الاقتصادية والاجتماعية حقوقَها السياسية التي كانت ممنوعة منها، بينما تجد الطبقات الفقيرة نفسها حائزة على حريات سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع.

لقائل أن يقول "فال الله ولا فالك"، هل يجب أن ننتظر نحن أيضا قرنا من الزمن لنحقق أهداف ثورة تعِدنا بأنها ستكون زمنا طويلا من الفوضى والعنف وخيبة الأمل، والمزيد من الفرص الذهبية للانتهازيين؟ لا تعجل عليّ باللوم فهذه قراءة النصف الفارغ من الكأس. والآن لرفع المعنويات هذه قراءة النصف الملآن وفيها المنجزات الثلاثة العظمى للثورة العربية، وهي لم تتجاوز بعدُ شهرَها الثاني.

الإنجاز العظيم الأول هو إعادة بناء الإنسان العربي، إذ فجأة وبدون مقدمات -أو هكذا يبدو- قطع الإنسان العربي مع حقبة كان فيها رعية لراعٍ. ولسائل أن يسأل: أين ذهب ذلك العربي العاجز الجبان الرعديد المحبط السلبي؟ ومن أين خرج هذا الشباب الثائر بكل شجاعته ووقاحته وتحديه؟ قد تكون الإجابة أن شطط النظام الفاسد في القمع والفساد والتزييف والاحتقار وضع الإنسان العربي أمام تحدٍّ وجودي: أكون أو لا أكون، فقرّر أن يكون.

ونظرا لموازين القوى اختار أن يسكت دهرا مستبطنا ومفكرا ومقيّما لحظة الانقضاض على جلاديه، وكان الأغبياء يأخذون طول ترقبه لهم على أنه استكانة نهائية واستسلام شامل. يا حكام العرب الذين ما زلتم تحكمون بعقلية الماضي، ويا حكام العرب في المستقبل انتبهوا، أمامكم إنسان جديد استرجع كرامته وثقته في نفسه وشعبه ولن يسمح لأحد أن يحتقره مجددا، ولا تنسوا أن السيد من هنا فصاعدا هو من يعطي المثل لا من يعطي الأوامر.

الإنجاز العظيم الثاني هو إعادة بناء الشعوب العربية، فالدكتاتورية لا تعيش إلا إذا نجحت في خلق غبار من الأفراد يخافون منها ويخافون من بعضهم البعض، ويمرّ الأمر بمنع كل تواصل لا تتحكم فيه الدكتاتورية. ذلك ما حاوله استبدادنا البغيض، لكن الثورة صهرت في بوتقتها الأفراد المعزولين عن بعضهم البعض وخلقت منهم مجموعة بشرية متلاحمة تثق في بعضها البعض وتواجه الموت جنبا إلى جنب، لفرض حقها في العيش الكريم. الأخطر من هذا أن هذه المجموعة التي نحتها لهيب الثورة اكتشفت قوتها وأنها قادرة على سحق الطغاة وكنسهم كما لو كانوا كدسا من القاذورات. عن هذا الاكتشاف الهائل يتولد الشعور بالفخر والاعتزاز بالانتماء.. هكذا أصبحت الثورة لحظة تأسيس جديد ستبقى في ذاكرة الأجيال القادمة عنصرا أساسيا في تكوين هوية ذلك المارد النائم بعين واحدة طوال الحقبة المظلمة: الشعب.

الإنجاز العظيم الثالث هو إعادة بناء الأمة العربية، ولنتذكر أن الدكتاتورية بغّضت العربي إلى العربي باصطناعها خصومات الجزائري ضد المغربي والكويتي ضد العراقي واللبناني ضد السوري.. إلخ, والحال أنها لم تكن إلا معارك بين أنظمة شرسة غبية تتخاصم حول تقاسم النفوذ الشخصي، دون أدنى انتباه إلى المصلحة العامة. هي بغّضت إلى العرب حلم الوحدة العربية عندما ربطته بهذا النظام الاستبدادي أو ذاك، وهي جعلت كل عملية تقارب مستحيلة لأن الدكتاتوريات لا تتحد وإنما تتحارب، وكل دكتاتور لا همّ له إلا منع الدكتاتور الآخر من التعدي على مزرعته وقطيعه. الأخطر من هذا كله أنها بغضت إلى العرب أنفسَهم وهم يشاهدون تفككهم وعجزهم وتخلفهم وتواصل مأساتهم في ظل الاحتلال الداخلي والاحتلال الخارجي.

كل هذا انفجر مع الثورة المباركة.. هذه الأيام لا أحد ينتبه في تونس إلى ما يجري في تونس رغم دقة الأوضاع، وكل الأعين موجهة إلى ما يجري في ليبيا الحبيبة، وقبلها كانت أيادينا على قلوبنا خوفا من انتكاسة الثورة في مصر، وفي اليمن مشى المتظاهرون ينشدون النشيد الوطني التونسي لأن فيه الأبيات الخالدة لشاعر الأمة أبو القاسم الشابي. من ينكر اليوم أننا أمة يخفق قلبها بنبض واحد، وأن قناة الجزيرة هي اليوم من يعدّل النبض على نفس الإيقاع؟! أما أن يكون لهذا المعطى تداعيات بالغة الخطورة -ومنها عودة المشروع الوحدوي بقوة- فأمر لا شك فيه.

نعم الأحداث حبلى بدول عربية ديمقراطية تحررت من الاحتلال الداخلي وأحرزت استقلالها الثاني. وبانهيار الدكتاتوريات ستُرفع أكبر عقبة ضد التوحيد السياسي لأمة متحدة ثقافيا ووجدانيا، وستُرفع أيضا أوهام التوحيد الاستبدادي الذي كان دوما جزءا من المشكل لا من الحل. كما استطاعت أوروبا أن تتحد بعد انهيار الدكتاتوريات النازية والفاشية والشيوعية، فإن الأمة العربية ستبني على غرارها -بل وأحسن منها- اتحاد الشعوب العربية الحرة، والذي سيجعل من العرب المجموعة البشرية الثالثة بعد الهند والصين، ويعيد إليهم مكانهم في هذا الزمان.

إن فتح الفضاء العربي من المحيط إلى الخليج لتحرك الإنسان والرساميل في ظل أنظمة تحارب الفساد والظلم، سيعطي لأمتنا حيوية ستفاجئ كل الأمم، وسيمكننا من تفادي المستقبل المظلم الذي تنبأ لنا به تقرير 2009 لمنظمة الأمم المتحدة للإنماء، بل وقد يجعلنا لاعبا أساسيا بين القوى العظمى الخمس أو الست.

هذا ما سيعيد ترتيب شؤون العالم بكيفية لم يحسب لها كبار المخططين حسابا. منذ ثلاثين عاما وتحديدا عام 1981، صدر لي في تونس أول كتبي وعنونته "لماذا ستطأ الأقدام العربية أرض المريخ؟"، تحديا لكل من يحتقرون أمتنا سواء أكانوا من أبنائها أو من أعدائها، ودعوة للإيمان بما تزخر به من طاقات جبارة ستنفجر عاجلا أو آجلا. صحيح أننا معرّضون لأخطار الفوضى والثورة المضادة وعودة الاستبداد مرة أخرى وطول الآجال لتحقيق أهدافنا،

لكن صحيح أيضا أننا اليوم قاب قوسين أو أدنى من هذا المريخ الذي بدا لنا يوما أملا حتى الحلم به جسارة مضحكة: مريخ الحرية والديمقراطية والتقدم، ولم لا في يوم من الأيام سنطأ المريخ الكوكب بأقدامنا وليس فقط بأحلامنا، وقد أصبحنا كما كنا أمة لا تضحك من جهلها الأمم. كان القرن الثامن عشر قرن الثورة الفرنسية والأميركية، وكان القرن العشرون قرن الثورة الروسية والصينية. أما القرن الواحد والعشرون فسيقول عنه المؤرخون إنه كان قرن الثورة العربية. هل سترفعنا هذه الثورة إلى القمم أم سترمينا في بؤر ربما تجعلنا نتحسر على ما فات كما يتحسر الشيوخ والعجائز في قرى روسيا على عهد ستالين؟

إنه التحدي الجبار المرفوع في وجوهنا ونحن أمام واحد من أخطر مفترقات الطريق الذي تمشي عليه هذه الأمة العظيمة منذ 15 قرنا.

قال أحمد شوقي:

  وما استعصى على قومٍ منالٌ   إذا الإقدامُ كان لهم ركابا

فلندر الظهر لطريق الفوضى والإحباط والعنف، وليكن الإقدام لنا ركابا نحو قمم المجد, فكونوا يا عربُ جديرين بمستقبلكم، وعلى موعد مع الملحمة المتجددة، محركها الثقة في الله وفي النفس وفي قدرتنا نحن أيضا على أن نأتي بما لم تستطعه الأوائل.

الاثنين، 21 فبراير 2011

خواطر من وحي الثورات



كم هو جميل أن يعيش المرء ليرى هذه الثورات العربية الكبرى تعم مدن وقرى الوطن العربي واحدة تلو الأخرى. أنا من جيل عاش معظم حياته مع خيبات الأمل وانحسار الكرامة العربية وتراجع الأمل، جيل عاصر الهزائم واحدة تلو الأخرى.

فقد شاهدت الثورة الفلسطينية التي حملت للشعب الفلسطيني والأمة العربية أحلام النصر والتحرير وهي تتراجع شيئاً فشيئاً حتى لم يبقى منها سوى الذكرى، رغم تحقيقها والشعب لعدد من الانتصارات المشرفة، لكنها كانت دائماً تتحول إلى هزائم وخسائر سياسية لأسباب متعددة أهمها سوء استغلال هذه الانتصارات ووجود أجندات خاصة وخفية لدى عناصر القيادة الفلسطينية التي عجزت أو رفضت استثمار تضحيات الشعب والجماهير من أجل تحقيق أهدافه وطموحاته.

والقيادات العربية التي كبرنا عليها كانت هي التي قامرت بنصر أكتوبر 73 لتجعله جسراً للتسوية والانتقال إلى معسكر العدو من خلال معاهدة كامب ديفيد وما تبعها من اتفاقيات وتجزئة للوطن العربي. وهكذا رأيت مصر -والمرارة في حلوقي والغصة في قلبي- تخرج من قيادة العرب إلى التبعية لأمريكا والصهيونية. فكان أن توالت النكسات والهزائم، من خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت واحتلال جنوب لبنان عام 1982 إلى تفتت الدول واحدة تلو الأخرى واحتلال العراق وصولاً إلى تراجع الدور والمكانة العربية إلى أدنى درجاتها في كافة المجالات وانتشار البطالة والفقر وهجرة الشباب والخبرات إلى شتى بقاع العالم بعيداً عن الدول العربية.

لكن الله منّ علي وعلى أبناء جيلي بأننا شاهدنا ودعمنا وشجعنا ثورات الشباب من الجيل الأصغر في الكثير من أرجاء وطننا العربي لتكتسح الطغاة والعملاء وتزرع الأمل بإمكانية صياغة غد أفضل لأبناء الأمة وبناتها. أحداث جسيمة مرت علينا منذ بداية الألفية الجديدة التي يصح بحق تسميتها ألفية الجماهير العربية أو ألفية استعادة الكرامة العربية. فقد دخلنا الألفية الجديدة على وقع انتصار المقاومة اللبنانية وتحرير الجنوب اللبناني المحتل منذ عام 1982، وبعض أجزائه كانت محتلة منذ عام 1978. ثم كان انتصار المقاومة مرة أخرى في وجه العدوان الصهيوني عام 2006، وتبعه الصمود الاسطوري للمقاومة الفلسطينية في غزة عام 2009، وصولاً إلى الثورات الجماهيرية السلمية الناجحة التي تشهدها العديد من الدول العربية حالياً. لقد صدق السيد نصر الله عندما قال إن عصر الهزائم قد انتهى وعصر الانتصارات قد ابتدأ.

الآن فقط أصبحت أدرك ما الذي كان يشعر به جيل الستينات عندما يقال إنهم عاشوا عهد الثورة والعزة والاستقلال، عصر مجد الإنسان العربي واحترامه في أنحاء العالم. عصر مازالوا يحنون إليه ويعودون إليه بالذاكرة بحثاً عن الكرامة المفقودة والآمال الضائعة والأحلام المتلاشية.

نعم هي انتصارات صغيرة، لكنها بالتأكيد تراكمية وستشكل رافعة تاريخية وسياسية لما هو قادم من أيام مليئة بالكرامة والعزة والحرية والنصر لكل الوطن العربي بشبابه وشيابه، بأطفاله ونسائه. ونحن من الذين أسعدهم الحظ بأن شاهدوا بعد عقود من الهوان والهزيمة والذل أيام العز هذه تطل من جديد مبشرة بمستقبل أفضل لنا ولأولادنا في وطن حر كريم يضمن لأبنائه الكرامة والنزاهة والعيش الكريم في حرية وعدالة وإخاء يجمع ولا يفرق. وما هي إلا سنين لن تتجاوز العشرين على أكثر تقدير ونعود إلى فلسطين الحرة المحررة رافعين لواء النصر لنصلي في المسجد الأقصى ونعيد بناء ما دمره الاحتلال في وطننا لنجعله كما كان دائماً وطناً لكل العرب وقبلة لكل المسلمين ونعيد له مكانته كمركز للعلم والثقافة والفنون والاقتصاد في المنطقة.

 

الخميس، 27 يناير 2011

عصر الجماهير ابتدأ

عصر الجماهير ابتدأ

 

صدح صوت الشعب في تونس فارتد صداه في شوارع قاهرة المعز. هو –ربما- الارتباط التاريخي والصلة التاريخية بين القاهرة التي بناها جوهر الصقلي عاصمة للخليفة القادم من تونس مؤسساً خلافة جمعت بين أجزاء من مغرب الأمة وشرقها في نقطة الالتقاء المصرية. ومنذ ذلك الوقت والصلة بين البلدين والشعبين مستمرة بشكل متبادل، فحتى عندما قررت جامعة الدول العربية نقل مقرها من القاهرة بعد اتفاقية كامب ديفيد الخيانية، كان البديل هو تونس. مفارقات تحضر للذهن ونحن نبصر ما يحدث اليوم في البلدين والتأثير المتبادل بينهما. هي هبة شعبية لم تشهد مصر لها مثيلاً منذ أكثر من ثلاثين عاماً. يومان عاصفان لم يتوقع النظام المصري أن يكونا بمثل هذا الزخم والغضب.

هي أيام الغضب إذن يدوي صداها في أرجاء مختلفة من الوطن العربي -من اليمن إلى الأردن فمصر والجزائر وموريتانيا ولبنان- مؤكدة بدء عصر الجماهير الذي استهلته جماهير تونس بثورتها الجارفة والتي ما زالت في بداياتها تسعى لتحقيق كامل أهدافها. لكن للحالة المصرية بعد خاص نظراً لمكانة مصر وتأثيرها وأهميتها التي يجادل أحد.

فاض الكيل بشباب مصر وبناتها، فانطلقوا عبر فضاء الانترنت يبثون همومهم وأفكارهم وأحلامهم وطموحاتهم. لم يلبث هؤلاء الشباب أن تداعوا سوياً لعمل ما يغير في واقعهم وحياتهم فرأينا الدعوة لمظاهرات مطلبية جديدة من نوعها في 6 إبريل 2008. بعد النجاح الذي حققوه في هذه المظاهرات اكتشف الشباب أن بمقدورهم تحريك الشارع، فشكلوا حركة شباب 6 إبريل تخليداً لهذا اليوم. وهذه الحركة هي اليوم المحرك الرئيسي للهبة الشعبية في مصر والمنظم لها، وسيذكر التاريخ أن يوم 25 يناير كان اليوم الذي انكسر فيه حاجز الخوف من الحاكم الطاغية وزبانيته من رجال الأمن والعسكر. لم يعد المصري يخشى السلطة، ولم يعد يخشى النزول إلى الشارع ومواجهة جحافل الأمن المركزي. وعندما ينكسر حاجز الخوف يصبح كل شيء ممكناً.

ظن النظام أن الأمر لن يعدوا عن كونه مظاهرة أو مجموعة مظاهرات قليلة العدد سيخرج بها بعض الشباب والمثقفين والصحافيين المعتادين وسينتهي الموضوع خلال بضعة ساعات ويعود كل إلى منزله بعد أن أخرج ما في جعبته من غضب واحتقان. لهذا صدر الأمر بعدم الاصطدام مع المتظاهرين وتركهم ينفسون عن غضبهم. لكن ما لم يكن بالحسبان هو أن هذه المظاهرات خرجت مدوية عارمة حاشدة في ثناياها مئات الآلاف من المصرين من كل الطبقات والفئات التي في غالبها كانت تمارس حقها في التعبير لأول مرة في حياتها. وكان أن استمرت هذه المظاهرات بلا نهاية واضحة لها وتصاعدت مطالب المتظاهرين من المطالب السياسية والاجتماعية المعلنة إلى حد المطالبة الصريحة بإزالة الحاكم وكل نظامه. عندها اضطرت قوى الأمن للتكشير عن أنيابها ومهاجمة المتظاهرين وقمعهم. لكن بعد فوات الأوان. فالشارع التهب والمشاعر ألهبت والخوف زال والأمل عاد ورأى الشعب المصري نفسه يعيد أحداث تونس القريبة ورأى العالم العربي كيف يتردد الحاكم عندما يتحرك الشعب.

لا نعرف بعد إلى أين ستسير الأوضاع في مصر وهل ستتطور هذه الهبة الجماهيرية لتصبح ثورة شعبية شاملة –وهي مرشحة لذلك بالتأكيد- أم أنها ستستمر لعدة أيام ثم يعود الهدوء إلى الشارع. لكن المؤكد هو أننا على أعتاب عصر جديد هو عصر الجماهير، وستنقلب الموازين وتعود للأمة كرامتها في وجه أعدائها الداخليين والخارجيين وبوادر التغيير في لبنان بدأت وفي مصر وتونس واليمن وفلسطين وغيرها من الدول. بشائر عصر الجماهير أتت معلنة أن الخوف قد ذهب إلى غير رجعة وأن الشعوب عندما لا تعود خائفة يمكنها فرض إرادتها على الجلاد والمستبد. وسيحصل هذا عاجلاً أم آجلاً في أرض الكنانة لتعود مصر لأهلها ولأمتها ويعود التوازن إلى الوطن العربي ويلحق بها المزيد من الشعوب الباحثة عن الحرية والكرامة والعدالة، وفي هذا فليتنافس المتنافسون.

 


الأربعاء، 19 يناير 2011

استعادة الأمل .. تونس

إيهاب السيد

 

وكأنما جاءت ثورة الشعب التونسي في الوقت الضائع من زمن القهر والخضوع العربي، جاءت من هناك من المغرب العربي، لتعلن أن الأمة العربية ما زالت حبلى ببشائر الخير وليست كما يدعي أعداؤها عاقراً. بثت هذه الثورة السلمية الأمل في نفس الشباب العربي من المحيط إلى الخليج بإمكانية التغيير والنجاح في فرض إرادة الشعب إذا ما قرر الوقوف بشجاعة في وجه حكامه من الطغاة.

بصدورهم العارية واجه شباب وبنات تونس قوى القمع الظلامية ولم يثنهم في ذلك تهديد وترهيب واستخدام الرصاص الحي ضدهم. تجمعوا في ميادين تونس العاصمة ومدنها الأخرى صفاقس وبنزرت والقصرين وتاله وغيرها ليهتفوا بأعلى الصوت (إذا الشعب يوماً أراد الحياة ...). وكان لهم ما أرادوا فاستجاب التاريخ لندائهم وفر الديكتاتور لا يلوي على شيء. لم يصغي هؤلاء الواضعون أرواحهم على أكفهم لأنصاف المعارضين الذين حاولوا إقناعهم أن التغيير لا يأتي بالثورة الشعبية، ولم يستمع المنتفضون إلى أراء الصحافيين والمفكرين والمنظرين المنهزمين والجبناء بأن لا فائدة مما تفعلون فالشعب خانع وخاضع ولن يوقظه شيء. لم يستمع هؤلاء لكل من حاول وسعى لإحباط عزائم الشباب عبر عقود ماضية من إمكانية التغيير وإقناعهم بضرورة الاستسلام للأمر الواقع والتسبيح بحمد السلطان وشكره لكونهم يستطيعون العودة إلى منازلهم في أخر اليوم.

لا لثقافة الهزيمة والانكسار

لقد مللنا من أنصاف المفكرين وأنصاف المثقفين والأقلام المأجورة وأمثالهم من السياسيين الذين لم يعد لهم شغل يشغلهم سوى طرح النظريات حول موت الأمة وهزيمة الشباب وإشباعنا بنظريات الهزيمة والاستسلام، وكل ذلك وهم يدعون المعارضة والوطنية وحرصهم على الشعب والأمة وما هم إلا أبواق للأنظمة الحاكمة والأمر الواقع. وظيفة المفكر والمثقف الحقيقي أن يعطي الأمل للأمة بإمكانية وضرورة بل وحتمية التغيير والتقدم للأفضل وتعرية أوجه الفساد والعمالة.

ها هو الشباب العربي مع بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين يسطر أحرفاً ناصعة للتاريخ وتأتي الثورة من بلاد المغرب العربي لتتواصل مع نجاحات المقاومات في الجناح الشرقي للأمة في العقد الماضي في فلسطين ولبنان والعراق فكأنما يأبى أحرار تونس أن يبقى شرف مقاومة المؤامرات الأمريكية والصهيونية حكراً على مشرق الأمة دون مغربها.

الثورة ممكنة

يا إخواننا في تونس لقد استلمنا الرسالة. كنا معكم كل يوم على مدى شهر كامل نتابع انتفاضتكم بقلوب خائفة عليكم، تشاطركم الرغبة في الثورة وتؤازركم بالدعاء كل ليلة. وما أن بدأت بشائر النصر في الخطاب الأخير للمخلوع بن علي حتى نزلنا إلى الشوارع في مصر والأردن نحتفل بانتصار الصدور العارية على الأسلحة النارية. ونحن مازلنا نخرج للشوارع في اليمن وموريتانيا ومصر ولبنان وفلسطين والأردن وغيرها من الدول تضامناً معكم وفرحاً بانكسار القيد. نحن فرحون حقاً لكم، لكننا ربما أكثر فرحاً بعودة الأمل إلى نفوسنا، بعودة الروح إلى أمتنا، بانهيار الحاجز النفسي الذي كان يمنع الشباب من حمل لواء التغيير في دولهم، حاجز الخوف الذي راهن الطغاة وأعداء الأمة على بقائه إلى ما لا نهاية. نعم نحن نعلم الآن أن باستطاعة الشعوب تغيير واقعها ورفض الذل والمهانة اليومية والوطنية، وأن إرادة الشعب لا تقهرها كل قوى الأمن وأسلحتها مهما بدت مخيفة.

إن توحد الشعب بكافة فئاته هو الرافعة الحقيقية لأي ثورة شعبية، هذا ما تعلمناه منكم يا أهل تونس الأبطال. فعندما ينزل المحامي إلى الشارع ممسكاً بالحجر جنباً إلى جنب مع العمال والطلاب والمثقفين من كافة التوجهات السياسية من اليساريين إلى الإسلاميين والقوميين والوطنيين وما بين ذلك من أطياف سياسية، عندها لا يعود من مجال أمام أمريكا وفرنسا وأعوانهم وأذنابهم إلا الهروب والتراجع.

لا تسقطوا الثورة

الدرس الآخر الذي تعلمناه منكم هو يقظتكم وحرصكم على عدم تضييع دماء الشهداء ونضال الشعب سدى. فعندما كان بقايا نظام الظلم والطغيان يحاولون الالتفاف على ثورتكم تارة بالنهب وأعمال التخريب وأخرى بتشكيل حكومة تستعيد كافة أركان النظام بوجه مختلف وبتجميل من بعض المعارضة، كنتم لهم بالمرصاد. أدركتم اللعبة وخرجتم مرة أخرى لتقولوا نحن لم نضحي كي يستمر النظام الحاكم في الحكم بدون بن علي، نحن ثرنا على النظام كاملاً ولا نرضى بأن يعود ليحكمنا نفس النظام بوجه جديد. لذا نشد على أيديكم ونقول لكم لا تتوقفوا فنجاح الثورة يعتمد على تحقيق النتائج المرجوة منها. وأنتم قطعتم الشوط الأطول، فلا تتوقفوا قبل الوصول إلى النهاية المرجوة وتغيير النظام وإرساء قواعد نظام ديمقراطي وطني يضمن لكم الحرية والكرامة الوطنية ولقمة الخبز الكريمة.


في عبقرية أهل تونس.. تفاؤل الإرادة

في عبقرية أهل تونس.. تفاؤل الإرادة

 

سيف دعنا 

 

ثورة تونس وانتصارها حدث تاريخي بكل ما في العبارة من معنى, وتبعاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية عميقة وبعيدة الدلالة، وستشغل الكثيرين لاستيعابها والتعلم منها في قادم الأيام.

وثورة تونس أيضا, حدث إنساني بامتياز وليست حدثا تونسيا أو حتى عربيا بحتا, ولهذا فتبعاتها وتأثيراتها ستكون حتما أكبر وأبعد من حدود جغرافيا تونس الصغيرة, أو الوطن العربي الكبير.

أهم معاني هذه الثورة ربما, ولسان حال أبطال تونس ورسالة الثورة التونسية للشعب العربي أن "مصيرك بيدك" كما قال أحد أحرار العرب للفلسطينيين ذات مرة.

 

تفاؤل الإرادة

ليست عبقرية انتفاضة أهلنا في تونس أنها أعلنت نقضها الحاسم لفرضية موت الشعوب ونهاية عصر الثورات الشعبية فقط, بل أيضا أنها تمردت على هذه الفكرة البالية بتحديها لأكثر الأنظمة العربية استبدادا وقمعا وعجرفة، في واحد من أحلك أيام العرب.

هذا تفاؤل الإرادة في مواجهة تشاؤم العقل، الفكرة العربية الأصيلة التي كتبها بالفصحى أبو القاسم الشابي صاحب "إرادة الحياة" قبل أن يكتشفها ويكتب عنها بإسهاب منظر الإرادة وفيلسوف التمرد أنطونيو غرامشي.

تونس الرائعة كشفت, مثل مقاومة لبنان وغزة والعراق, المخزون الثوري الهائل للثقافة العربية, فمصير الطاغية بن علي بالسقوط والهروب كخفافيش الليل كان نقشا بالعربية الفصحى يوم كتب الشابي أن لا محالة في خضوع القدر لإرادة الشعوب.

عبقرية انتفاضة أهل تونس أنصفت الإنسان المضطهد المتهم بالتخاذل بكشفها لعورات النخب الثقافية والسياسية من اليمين ومن اليسار، وأزمة مشاريعها في كل أوطان العرب

لم يمت الإنسان, ولم تمت الشعوب ولم يخرجوا من التاريخ. مصيرهم بيدهم. هكذا كتب أهلنا في تونس بدمهم. وهذه الفكرة المهترئة عن موت الشعوب التي أريد منها نشر الإحباط وبث التشاؤم بين شعوب الأرض عامة, واستهدفت العرب وبعنصرية خاصة, سقطت في تونس.

فمهما كانت معطيات الواقع الاستبدادي المظلم وتفاصيله المحبطة في أي من أوطان العرب تبعث على التشاؤم, تشاؤم العقل, يمكن لشهيد من طراز البوعزيزي أن يفتتح عهدا جديدا, ويمكن لمقاوم عنيد أن يصنع التاريخ, ويمكن لمتمرد صلب أن يقلب المعادلات كلها.

هذا تفاؤل الإرادة, تفاؤل الاقتناع المطلق بقدرة البشر على التغيير وأولوية الفعل الإنساني الجمعي على استبدادية المؤسسة وتسلطها.

عبقرية أهل تونس أعادت الاعتبار لهذه الفكرة الإنسانية والعربية الأصيلة بحتمية انتصار الإرادة على استبداد وقهر المستعمر الداخلي الذي حول الوطن إلى مزرعة للطاغية والدولة إلى وسيلة لعائلته, وحول العمل السياسي والشأن العام لنشاط مافيوي بامتياز.

عبقرية أهل تونس كذلك, فضحت نفاق المستعمر الخارجي الراعي للطاغية الداخلي وعرت ازدواجيته الفظة وزيف دعايته وعنصرية رؤيته. ففي تونس انكشف زيف لسان الغرب المشقوق الذي ينقط عسلا وسما.

وفي تونس أيضا سقطت بالدم عقيدة المحافظين الجدد الاستشراقية العنصرية عن عجز العرب عن التغيير لتجعل من غزو الرجل الأبيض لأوطاننا وتغييرها بتدميرها مهمة خيرية نبيلة.

 

وعبقرية انتفاضة أهل تونس أيضا أنها أنصفت الإنسان المضطهد المتهم بالتخاذل بكشفها لعورات النخب الثقافية والسياسية من اليمين ومن اليسار، وأزمة مشاريعها في كل أوطان العرب وعجزها عن اللحاق بالمواطن والتعبير عنه وعن همومه.

فمن تخاذل كل هذا الوقت من العرب هي نخبهم التي رضي بعضها في كل مكان، لعب دور "الكومبارس" في مسرحية معارضة سمجة تديرها مؤسسات القمع والاستبداد.

لم يكن الإنسان العربي في تاريخنا المعاصر أكثر حياة وحيوية مما كان عليه أبطال شعب تونس في ثورته الرائعة. فلقد انتفض وحده, عار من كل شيء إلا تفاؤل الإرادة في واقع مستبد، صادر الطاغية فيه الخبز والكرامة, فانتصر وكذلك شكك، بل أسقط كل النماذج النظرية والأفكار السائدة البائدة الآن, التي جعلتنا ننتظر الثورة في أمكنة أخرى بأساليب مختلفة.

انتفض الإنسان في تونس وفاجأ نخب العرب الثقافية والسياسية ليذكرها بما نسيته أو تناسته من أن الإنسان وحده يصنع التاريخ، وأن تشاؤم العقل ليس إلا تغييب الإرادة.

وثورة تونس الرائعة تنتمي لذلك النوع الفريد من الثورات العظيمة التي شككت في أبسط مسلمات الفكر والفلسفة وهددت أبسط مسلمات السياسة والتوازنات القائمة, تماما كثورة البلاشفة في روسيا والثورة الإسلامية في إيران.

فعن الأولى قال فيلسوف الثورة والتمرد أنطونيو غرامشي إنها كانت ثورة حتى على فكر مؤسس الاشتراكية ماركس البنيوي (الذي يزعم بأولوية البنى الاجتماعية والاقتصادية وثانوية الفعل الإنساني).

والثانية, الثورة الإسلامية في إيران, التي كانت باستنادها إلى ما في الفكر الإسلامي من طاقة ثورية هائلة "أول تمرد عظيم على الأنظمة العالمية" كما رأى فيلسوف رفض الطاعة ميشال فوكو.

عبقرية ثورة تونس أيضا أنها تسلح كل مشاريع الثورة المستقبلية في الوطن العربي بنموذج ثوري جديد ونموذج مقاوم جديد

وثورة تونس, تماما مثل الثورتين, البلشفية في روسيا والإسلامية في إيران, كانت فريدة. فكل هذه الثورات لم تسقط أنظمة مستبدة فقط, بل أسقطت ما ساد من أفكار ونظريات عن الثورة والمجتمع والتاريخ والإنسان.

ومثل الثورتين ثورة تونس، باعتبارها فكرة غير محصورة بجغرافيا ولا مجتمع، بل يبدو أن من تبعاتها أنها "قد تشعل النار في كل المنطقة, تقلب الأنظمة غير المستقرة وتهدد أكثر الأنظمة استقرارا" كما قال فوكو عن الثورة الإسلامية في إيران.

كذلك, ثورة تونس مثل باقي الثورات الشعبية أعادت الاعتبار لمركزية الفعل الإنساني في التاريخ وأولويته على المؤسسة, وأعادت الاعتبار للإنسان. هذا تفاؤل الإرادة الذي يتحدى كل نظرية تنتج تشاؤم العقل.

 

الاستشهادي الجديد

عبقرية ثورة تونس أيضا أنها تسلح كل مشاريع الثورة المستقبلية في الوطن العربي بنموذج ثوري جديد ونموذج مقاوم جديد.

فربما لم يعرف البطل المظلوم محمد البوعزيزي أنه بثورته على القهر والاستبداد, وأنه بإشعاله النار في جسده سيكون الشرارة التي ستشعل النار في عروش المستبدين والطغاة الذين ارتجفت فرائصهم رعبا لمشاهد البطولة التونسية.

ربما لم يعرف هذا الاستشهادي من الطراز الجديد أن جسده المشتعل سيحرق معه كل توازنات السياسة القائمة على القهر والمؤسسة على الاستبداد ليس في تونس فقط, بل في كل أوكار الاضطهاد والظلم المنتشرة حيث ينطق البشر بلغة الضاد.

ربما لم يعرف ابن سيدي بوزيد المتمردة أنه بثورته يقلب معادلات الفكر السياسي المزور وفلسفات العجز البالية التي أتخمت عقول مثقفي السلاطين الذين ما برحت أفواههم تنعق بموت الشعوب وموت الإنسان وخروجه من التاريخ.

وربما لم يعرف هذا المستضعف أنه بغضبه يعري وهن كل طاغية ومتكبر، ويفضح هشاشة كل أجهزة القمع, فخلف كل قناع سقط ظهر نظام متعفن آئل للسقوط وجهاز قمع منخور حتى النخاع.

ربما لم يعرف هذا المحتج بجسده أن بقايا جسده المشتعل ستكون الفاصل الفولاذي المانع بين مرحلة مقيتة نراها تمضي من تاريخنا العربي ومرحلة جديدة تولد ولن تكون إلا أفضل مما سلف.

ربما لم يعرف هذا العربي المستباح الكرامة مثل كل عربي أنه البطل الذي سيضيء بجسده بعضا من ليل العرب الحالك، وأنه سيعيد الثقة بالنفس والاعتبار للأمة والمعنى للتاريخ بالنسبة لكل عربي.

وربما لم يعرف هذا العربي الفقير أنه اخترع نموذجا مقاوما جديدا وعبقريا ستعجز وتحار أمامه كل أدوات القمع والاستبداد.

لكنه أشعل النار فعلا في واحد من أبشع عروش الطغاة, هدد توازنات السياسة المؤسسة على الاستبداد, قلب معادلات الفكر والفلسفة المنكرة لفعالية الإرادة الإنسانية وقوة الفعل الجمعي البشري, فضح وهن الطغاة وهشاشة أجهزة قمعهم, أعلن نهاية مرحلة من تاريخنا وبداية أخرى, أعاد لنا الثقة بذاتنا العربية, أضاء ليلنا القاتم من السودان إلى مصر ومن فلسطين إلى اليمن, وقدم لنا نموذج المقاوم الجديد القادر على فعل كل ما سلف.

 

بداية التحدي

بطولات أهل تونس وانتصارهم أصبحت حجة لا على النخب الحقيقي منها والمزور والمريض, التي اكتفت بلعب دور المعارض من داخل المؤسسة الحاكمة, بل على الشعوب المقهورة في كل مكان أيضا.

ثورة تونس هي الحجة اليوم على كل العرب. فكل الأعذار سقطت, وكل أوراق التين التي غطت عورات المعارضة الكاريكاتورية ومدعي العقلانية والتغيير المتدرج أيضا سقطت, وكل تبرير بعد اليوم ليس إلا تغييبا متعمدا للإرادة لا استحالة للممكن.

فتونس لم تسقط من السماء, وليست من غير طينة البشر. تونس قدمت النموذج لكل مضطهد وأصبحت الحجة على كل شعب. حجة تونس على الجميع "مصيرك بيدك".

لكن سيخرج, وخرج فعلا في بعض أقطار الاضطهاد, المشككون والطواويس ممن عاشوا على تبرير قهر أنظمة الاستبداد وامتهنوا تثبيط الهمم للحديث عن اختلافات الواقع وخصوصيات تونس واختلافها عن غيرها.

نظريات البؤس وأفكار العجز السخيفة هذه لن تنطلي على أحد بعد الآن, ومن يسوقها من الدجالين في كل مكان من أوطان العرب القابلة للانفجار لم يعتبر بعد بمن سقط من أقرانه الدجالين في ثورة تونس.

فمع سقوط الديكتاتور, سقط أيضا رجل أمن النظام الذي اعتاد انتهاك كرامة أبناء شعبه, وسقط صحفي دعاية النظام الذي امتهن التزوير والخداع, وسقط مثقف السلطان الذي اقتات على الفبركة والتبرير, وسقط رجل الإفتاء الذي حرم ما حل من تمرد على الظلم والقهر. هذا إلقاء النفس في التهلكة.

لن يكون غريبا, بل يجب أن يكون متوقعا استهداف روح الثورة لدى أهل تونس والعمل على جعلهم يدفعون ثمن تمردهم على الخضوع

"

لكن, الثورة في تونس هي بداية التحدي فقط, وليست نهايته. فسقوط الطاغية لا يعني الاستسلام النهائي لقوى محلية طفيلية وخارجية تقتات على البؤس والاضطهاد. فالديكتاتور لم يكن سوى ممثل لها وأداة لتحقيق مبتغاها.

هذه القوى الطفيلية ستعمل بجهد على استنساخ النظام البائد, فسوف تعمل كل القوى الظلامية في الغرب والشرق لإفراغ التجربة من معناها الهائل الدلالة والالتفاف عليها في محاولة استباق وإحباط تكرار التجربة في أمكنة أخرى.

ففكرة الثورة التونسية أكبر من حدود تونس الجغرافية, وهي تهدد كل من اعتقدوا بمناعة الأنظمة المستبدة المستندة لقمع أجهزة الأمن وحماية الخارج.

ولن يكون غريبا تكالب وتآمر كل من يرى في حرية بعض العرب خطرا وجوديا عليهم وعلى مصالحهم.

هكذا فعلت قوى الشر من عرب وعجم حين تكالبت وحاصرت غزة وجوعت أهلها بعد انتصار خيار المقاومة في صناديق الاقتراع في فلسطين. فتجويع غزة استهدف فيما استهدف كسر الذات العربية المقاومة وتطويع إرادتها المتمردة.

ولن يكون غريبا, بل يجب أن يكون متوقعا استهداف روح الثورة لدى أهل تونس والعمل على جعلهم يدفعون ثمن تمردهم على الخضوع. حين تنتهي الثورة, يبدأ تحدي الحفاظ عليها وحماية إنجازاتها.

 

من أجل سيرة معكوسة

لم تكتمل السير الهلالية, كما يبدو. فأبطال تونس يضيفون فصلا جديدا لكتبها, ويضيفون أبياتا جديدة مكتوبة بالدم للملحمة الشعرية العربية الطويلة وأبياتها المليون.

دم أبطال تونس وعبقرية ثورتهم سيكملان فصلا جديدا ومشرقا من قصة العرب الحقيقية والفولكلورية التي تربط أهل جزيرة العرب كلهم بأهل اليمن والشام والعراق ومصر وتونس والمغرب.

هذه المرة ستكون الهجرة معكوسة, وفكرة أبطال تونس, فكرة البوعزيزي هي التي سترحل شرقا حاملة بشارة الحرية لمن يستعد لدفع تكاليفها.

كنت "مضروبا بالسيرة", كما يسمي محبو السيرة الهلالية (الله يجازيك يا عم الأبنودي فقد ضربتنا بحب السيرة. وعذرا منك فتونس تقول اللي ببيع أمته خسران).

ومع ثورة البوعزيزي أصبحت كملايين العرب مضروبا بحب تونس وشعبها العبقري. ليت الرسالة التونسية تكون وصلت كل المظلومين العرب لتكتمل السيرة العربية.