الاثنين، 25 يناير 2010

مسرى الهادي .. وداعاً

بعد أشهر قليلة على عدوانه على غزة، ها هو الاحتلال يكشر عن أنيابه مرة ثانية ويعلن إصراره على استكمال تهويد مدينة القدس ضارباً عرض الحائط بكافة القوانين الدولية والأعراف الأخلاقية ومحادثات السلام مع السلطة الفلسطينية. وفي هذا تأكيد على أن ايهود أولمرت وخليفته نتينياهو مصمم على إثبات تعصبه وعنصريته حتى اللحظة الأخيرة.
أوامر الإخلاء الجماعي التي صدرت قبل فترة قصيرة بهدم 88 منزلاً في مدينة القدس هي بحق عملية طرد جماعي لقرابة ألف وخمسمائة مواطن فلسطيني سيضطر معظمهم إلى السكن خارج المدينة نظراً لعدم توفر المساكن المتاحة للإيجار في القدس أو ارتفاع معدل الإيجارات بما يفوق قدرة المواطنين على الدفع. الموضوع إذن ليس موضوع منازل بنيت بدون ترخيص، علماً بأن سلطات الاحتلال تمتنع في غالبية الأحيان عن اصدار تراخيص البناء للمواطنين الفلسطينيين سواء في القدس أو الضفة الغربية وحتى المناطق المحتلة عام 48، وفي الحالات التي تعطى فيها التراخيص تفرض رسوم باهظة ربما تكون الأعلى من نوعها في العالم كله. كل هذا من أجل منع الفلسطيني من حقه في الإقامة تحت سقف يحميه من حر الصيف وبرد الشتاء ودفعه إلى الهجرة والخروج من الوطن بحثاً عن المأوى الملائم لأبنائه. وهذا هو جل الموضوع، إرغام الفلسطيني الذي بقي متشبثاً بأرضه رغم الاحتلال والاضطهاد والذل على مغادرتها بلا عودة عبر محاربته في لقمة العيش وفي التعليم وفي المسكن وفي التنقل وكل الحقوق الطبيعية التي تكفلها المواثيق الدولية والأديان السماوية.
أخذت سلطات الاحتلال منذ بضعة أعوام بالتركيز على مدينة القدس وجوارها سعياً إلى تهويدها وإلغاء الصبغة العربية والهوية الإسلامية لها حتى لا يكون هناك مجال للنقاش حولها في مباحثات الحل النهائي، إن حصلت. ومن ضمن محاربة الهوية الوطنية الفلسطينية في زهرة المدائن منع المواطنين من التصويت فيها ومنع أي تواجد لأجهزة السلطة الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك الأجهزة المدنية التي تقدم الخدمات الاجتماعية والبلدية. إذ ليس مقبولاً لدى الصهاينة أن يظهر في المدينة جانب فلسطيني رسمي، بل إن أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخبين عن محافظة القدس كانوا من أوائل من اعتقل من النواب. وقد شهدنا في المدة الأخيرة العديد من المصادرات للمنازل والأراضي وافتتاح الكنيس اليهودي على بعد أمتار من المسجد الأقصى وبناء المزيد من البؤر الاستيطانية حول المدينة وفي قلبها.
كل هذا يجري والمسلمين، عرباً وعجماً، لاهون لا يصدر منهم إلا بعض الاستنكارات الشعبية لما يحدث، أما الدول والحكومات فتتجاهل الأمر وكأنه يحدث في عالم أخر لا يعنيهم. لم تعد الدنيا تقوم ولا تقعد لما يحصل في مسرى النبي (عليه الصلاة والسلام)، ولم تعد المملكة العربية السعودية حاملة لواء الإسلام تمارس أي ضغوط على حليفها الأمريكي من أجل وقف أو إبطاء وتيرة التهويد في القدس، ولم نعد نسمع من المملكة المغربية رئيسة لجنة القدس أي موقف أو مطالبة أو احتجاج على ما يجري.
إن المقدسيين رغم تمسكهم الشديد بأرضهم، إلا أنهم لا يستطيعون وحدهم مواجهة هذه الهجمة المتصاعدة التي تستهدف وجودهم ومدينتهم والمقدسات. إننا جميعاً مطالبون شعوباً وحكومات بدعمهم ومساندتهم بأشكال ووسائل عملية، فإن لم نفعل فعلى القدس والأقصى السلام، وعندها ربما يكون اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية هذا العام 2009 وداعاً رمزياً من الأمة لمسرى الهادي عليه السلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق