الخميس، 27 يناير 2011

عصر الجماهير ابتدأ

عصر الجماهير ابتدأ

 

صدح صوت الشعب في تونس فارتد صداه في شوارع قاهرة المعز. هو –ربما- الارتباط التاريخي والصلة التاريخية بين القاهرة التي بناها جوهر الصقلي عاصمة للخليفة القادم من تونس مؤسساً خلافة جمعت بين أجزاء من مغرب الأمة وشرقها في نقطة الالتقاء المصرية. ومنذ ذلك الوقت والصلة بين البلدين والشعبين مستمرة بشكل متبادل، فحتى عندما قررت جامعة الدول العربية نقل مقرها من القاهرة بعد اتفاقية كامب ديفيد الخيانية، كان البديل هو تونس. مفارقات تحضر للذهن ونحن نبصر ما يحدث اليوم في البلدين والتأثير المتبادل بينهما. هي هبة شعبية لم تشهد مصر لها مثيلاً منذ أكثر من ثلاثين عاماً. يومان عاصفان لم يتوقع النظام المصري أن يكونا بمثل هذا الزخم والغضب.

هي أيام الغضب إذن يدوي صداها في أرجاء مختلفة من الوطن العربي -من اليمن إلى الأردن فمصر والجزائر وموريتانيا ولبنان- مؤكدة بدء عصر الجماهير الذي استهلته جماهير تونس بثورتها الجارفة والتي ما زالت في بداياتها تسعى لتحقيق كامل أهدافها. لكن للحالة المصرية بعد خاص نظراً لمكانة مصر وتأثيرها وأهميتها التي يجادل أحد.

فاض الكيل بشباب مصر وبناتها، فانطلقوا عبر فضاء الانترنت يبثون همومهم وأفكارهم وأحلامهم وطموحاتهم. لم يلبث هؤلاء الشباب أن تداعوا سوياً لعمل ما يغير في واقعهم وحياتهم فرأينا الدعوة لمظاهرات مطلبية جديدة من نوعها في 6 إبريل 2008. بعد النجاح الذي حققوه في هذه المظاهرات اكتشف الشباب أن بمقدورهم تحريك الشارع، فشكلوا حركة شباب 6 إبريل تخليداً لهذا اليوم. وهذه الحركة هي اليوم المحرك الرئيسي للهبة الشعبية في مصر والمنظم لها، وسيذكر التاريخ أن يوم 25 يناير كان اليوم الذي انكسر فيه حاجز الخوف من الحاكم الطاغية وزبانيته من رجال الأمن والعسكر. لم يعد المصري يخشى السلطة، ولم يعد يخشى النزول إلى الشارع ومواجهة جحافل الأمن المركزي. وعندما ينكسر حاجز الخوف يصبح كل شيء ممكناً.

ظن النظام أن الأمر لن يعدوا عن كونه مظاهرة أو مجموعة مظاهرات قليلة العدد سيخرج بها بعض الشباب والمثقفين والصحافيين المعتادين وسينتهي الموضوع خلال بضعة ساعات ويعود كل إلى منزله بعد أن أخرج ما في جعبته من غضب واحتقان. لهذا صدر الأمر بعدم الاصطدام مع المتظاهرين وتركهم ينفسون عن غضبهم. لكن ما لم يكن بالحسبان هو أن هذه المظاهرات خرجت مدوية عارمة حاشدة في ثناياها مئات الآلاف من المصرين من كل الطبقات والفئات التي في غالبها كانت تمارس حقها في التعبير لأول مرة في حياتها. وكان أن استمرت هذه المظاهرات بلا نهاية واضحة لها وتصاعدت مطالب المتظاهرين من المطالب السياسية والاجتماعية المعلنة إلى حد المطالبة الصريحة بإزالة الحاكم وكل نظامه. عندها اضطرت قوى الأمن للتكشير عن أنيابها ومهاجمة المتظاهرين وقمعهم. لكن بعد فوات الأوان. فالشارع التهب والمشاعر ألهبت والخوف زال والأمل عاد ورأى الشعب المصري نفسه يعيد أحداث تونس القريبة ورأى العالم العربي كيف يتردد الحاكم عندما يتحرك الشعب.

لا نعرف بعد إلى أين ستسير الأوضاع في مصر وهل ستتطور هذه الهبة الجماهيرية لتصبح ثورة شعبية شاملة –وهي مرشحة لذلك بالتأكيد- أم أنها ستستمر لعدة أيام ثم يعود الهدوء إلى الشارع. لكن المؤكد هو أننا على أعتاب عصر جديد هو عصر الجماهير، وستنقلب الموازين وتعود للأمة كرامتها في وجه أعدائها الداخليين والخارجيين وبوادر التغيير في لبنان بدأت وفي مصر وتونس واليمن وفلسطين وغيرها من الدول. بشائر عصر الجماهير أتت معلنة أن الخوف قد ذهب إلى غير رجعة وأن الشعوب عندما لا تعود خائفة يمكنها فرض إرادتها على الجلاد والمستبد. وسيحصل هذا عاجلاً أم آجلاً في أرض الكنانة لتعود مصر لأهلها ولأمتها ويعود التوازن إلى الوطن العربي ويلحق بها المزيد من الشعوب الباحثة عن الحرية والكرامة والعدالة، وفي هذا فليتنافس المتنافسون.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق