الأربعاء، 19 يناير 2011

استعادة الأمل .. تونس

إيهاب السيد

 

وكأنما جاءت ثورة الشعب التونسي في الوقت الضائع من زمن القهر والخضوع العربي، جاءت من هناك من المغرب العربي، لتعلن أن الأمة العربية ما زالت حبلى ببشائر الخير وليست كما يدعي أعداؤها عاقراً. بثت هذه الثورة السلمية الأمل في نفس الشباب العربي من المحيط إلى الخليج بإمكانية التغيير والنجاح في فرض إرادة الشعب إذا ما قرر الوقوف بشجاعة في وجه حكامه من الطغاة.

بصدورهم العارية واجه شباب وبنات تونس قوى القمع الظلامية ولم يثنهم في ذلك تهديد وترهيب واستخدام الرصاص الحي ضدهم. تجمعوا في ميادين تونس العاصمة ومدنها الأخرى صفاقس وبنزرت والقصرين وتاله وغيرها ليهتفوا بأعلى الصوت (إذا الشعب يوماً أراد الحياة ...). وكان لهم ما أرادوا فاستجاب التاريخ لندائهم وفر الديكتاتور لا يلوي على شيء. لم يصغي هؤلاء الواضعون أرواحهم على أكفهم لأنصاف المعارضين الذين حاولوا إقناعهم أن التغيير لا يأتي بالثورة الشعبية، ولم يستمع المنتفضون إلى أراء الصحافيين والمفكرين والمنظرين المنهزمين والجبناء بأن لا فائدة مما تفعلون فالشعب خانع وخاضع ولن يوقظه شيء. لم يستمع هؤلاء لكل من حاول وسعى لإحباط عزائم الشباب عبر عقود ماضية من إمكانية التغيير وإقناعهم بضرورة الاستسلام للأمر الواقع والتسبيح بحمد السلطان وشكره لكونهم يستطيعون العودة إلى منازلهم في أخر اليوم.

لا لثقافة الهزيمة والانكسار

لقد مللنا من أنصاف المفكرين وأنصاف المثقفين والأقلام المأجورة وأمثالهم من السياسيين الذين لم يعد لهم شغل يشغلهم سوى طرح النظريات حول موت الأمة وهزيمة الشباب وإشباعنا بنظريات الهزيمة والاستسلام، وكل ذلك وهم يدعون المعارضة والوطنية وحرصهم على الشعب والأمة وما هم إلا أبواق للأنظمة الحاكمة والأمر الواقع. وظيفة المفكر والمثقف الحقيقي أن يعطي الأمل للأمة بإمكانية وضرورة بل وحتمية التغيير والتقدم للأفضل وتعرية أوجه الفساد والعمالة.

ها هو الشباب العربي مع بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين يسطر أحرفاً ناصعة للتاريخ وتأتي الثورة من بلاد المغرب العربي لتتواصل مع نجاحات المقاومات في الجناح الشرقي للأمة في العقد الماضي في فلسطين ولبنان والعراق فكأنما يأبى أحرار تونس أن يبقى شرف مقاومة المؤامرات الأمريكية والصهيونية حكراً على مشرق الأمة دون مغربها.

الثورة ممكنة

يا إخواننا في تونس لقد استلمنا الرسالة. كنا معكم كل يوم على مدى شهر كامل نتابع انتفاضتكم بقلوب خائفة عليكم، تشاطركم الرغبة في الثورة وتؤازركم بالدعاء كل ليلة. وما أن بدأت بشائر النصر في الخطاب الأخير للمخلوع بن علي حتى نزلنا إلى الشوارع في مصر والأردن نحتفل بانتصار الصدور العارية على الأسلحة النارية. ونحن مازلنا نخرج للشوارع في اليمن وموريتانيا ومصر ولبنان وفلسطين والأردن وغيرها من الدول تضامناً معكم وفرحاً بانكسار القيد. نحن فرحون حقاً لكم، لكننا ربما أكثر فرحاً بعودة الأمل إلى نفوسنا، بعودة الروح إلى أمتنا، بانهيار الحاجز النفسي الذي كان يمنع الشباب من حمل لواء التغيير في دولهم، حاجز الخوف الذي راهن الطغاة وأعداء الأمة على بقائه إلى ما لا نهاية. نعم نحن نعلم الآن أن باستطاعة الشعوب تغيير واقعها ورفض الذل والمهانة اليومية والوطنية، وأن إرادة الشعب لا تقهرها كل قوى الأمن وأسلحتها مهما بدت مخيفة.

إن توحد الشعب بكافة فئاته هو الرافعة الحقيقية لأي ثورة شعبية، هذا ما تعلمناه منكم يا أهل تونس الأبطال. فعندما ينزل المحامي إلى الشارع ممسكاً بالحجر جنباً إلى جنب مع العمال والطلاب والمثقفين من كافة التوجهات السياسية من اليساريين إلى الإسلاميين والقوميين والوطنيين وما بين ذلك من أطياف سياسية، عندها لا يعود من مجال أمام أمريكا وفرنسا وأعوانهم وأذنابهم إلا الهروب والتراجع.

لا تسقطوا الثورة

الدرس الآخر الذي تعلمناه منكم هو يقظتكم وحرصكم على عدم تضييع دماء الشهداء ونضال الشعب سدى. فعندما كان بقايا نظام الظلم والطغيان يحاولون الالتفاف على ثورتكم تارة بالنهب وأعمال التخريب وأخرى بتشكيل حكومة تستعيد كافة أركان النظام بوجه مختلف وبتجميل من بعض المعارضة، كنتم لهم بالمرصاد. أدركتم اللعبة وخرجتم مرة أخرى لتقولوا نحن لم نضحي كي يستمر النظام الحاكم في الحكم بدون بن علي، نحن ثرنا على النظام كاملاً ولا نرضى بأن يعود ليحكمنا نفس النظام بوجه جديد. لذا نشد على أيديكم ونقول لكم لا تتوقفوا فنجاح الثورة يعتمد على تحقيق النتائج المرجوة منها. وأنتم قطعتم الشوط الأطول، فلا تتوقفوا قبل الوصول إلى النهاية المرجوة وتغيير النظام وإرساء قواعد نظام ديمقراطي وطني يضمن لكم الحرية والكرامة الوطنية ولقمة الخبز الكريمة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق